مذكرات مغترب .. الجزء الثالث
مسحت عن وجهي قطرات دمع سالت فوق خدي المتحجر ..كانت أحداقي تثقب أركان وجوانب وتخوم البلدة التي تستقر ذكراها وذكرى
الأحبة بأعماقي وشراييني ..الأشجار تبدو كئيبة تائهة كأنها أشباح تتمايل ..والسيارة البولمان تمضي بسرعة غير عادية
كم تمنيت أن يتوقف الزمن وتتعطل الآلية ونعود من حيث انطلقنا ..على مشارف مدينة الحسكة ..كان نشيد الوداع لايزال
يهزني ..أبحرت عبر أمواج صاخبة ..الليل المجنون يصرخ في وهج السنين ..وأجيج الذكريات ينزف في المياه الممتدة
حتى السراب ..تطلعت من نافذة البولمان لم أشاهد أو أرى شيئاً..كانت الدموع تهمس انشودة الأهات ..الأنوار المتلألئة تهوي وتمعن
في الهبوط ..سألتني زوجتي ما بك ..تنهدت قليلاً..ثم تمتمت لها حديثاًغامضاً.تطلعت نحوي بنزق ..أتبكي ..سألتني ثانية
ولم تنتظر مني الجواب هذه المرة ..واغمضت عينيها مسترخية هادئة بلا مبالاة ..في صحراء صمتي أوشكت قناديل الفرح
أن تنطفأ..الليل والمروج والغضب والمغامرة والريح والتاريخ والحزن ..وجزيرة العطاء والعشق وخارطة الأوجاع
وحطام الأسى والحكايا ..وغابة الحروف والغزل المسجون وسياط القهر وأنين الريح والنرجس والخلخال ..والرحيل المر
وطاحونة الألم ..آه..يا انشودة الاستمرار في البحار الممتدة ..الف ذكرى تنداح في صدري كالطوفان ..آه..انني أبكي القدر ..كم ظلمني
وهمست بمرارة ..غريب أنا ..تائه في البحار الغافية بلا أب بلا أم ..بلا وطن ..آه..أيها البحار التائه في غياهب المجهول ..
الى أين تمضي غادرت الأحبة الى أين المصير والمجهول والضياع والسراب في انتظارك ..لقد اهتز المساء واللحن والزهر
والحب والطفولة وعشتار ..ومواويل الصبايا والحان المطر ..وتوقفت كل الفراشات عن الغناء ..حزينة تلك البلابل ..في ذهني روْى
وأحلام ومضيت عبر صهيل الموج وشعاع الشمش وزغاريد المدائن أبحث عن أساطير الهوى والسكون المعذب في رحم الليل
بكيت ..وبكيت طويلاً والسيارة تنهب الأرض..وعلى مشارف نهر الفرات الذي يثير ذكراه الف حكاية ورواية عبر تسابيح السنابل
وعبق السنين الآتيات وتوهج الذكرى وولادة النسر الذي لاينام أي كلام وأي شعر ..وأي نثر يعجز أن يحكي قصة البحار
التائه ..كتاب عشق وسفر تكوين ..وأريج أرض..ومرسا ة جرح ..وامتداد بحر ..ورصيف ضياع واجتياح موج وعاصفة
..رحيل ونازح بلا أرض ..أو وطن ..
زنار عزم