قراءات نقدية للمجموعة القصصية الغربة والضباب للكاتب زنار عزم
زنار عزام أحد هؤلاء الجنود الذين كتبو القصة القصيرة في سورية وواكبو الحركة الثقافية والابداعية أكثر من ثلاثة عقود. وقد اثارت كتاباته اهتمام المعنيين في حقل الثقافة. حيث امتازت لغة التعبير والاشراقة والخيال الواسع لديه عبر تصويره للواقع والبيئة باسلوب قصصي متميز دون اللجوء إلى الغرابة أو التعقيد
ولقد لمسنا الشاعرية والكآبة .. والمعاناة .. والضياع وبيادر الآه .. في مجموعته القصصية الأولى " رحلة الأحزان " حيث يقول فيها " سأظل اكتب عن الحزن والهول .. وعن الاطفال , وعن صهيل المتخمين واحلام الحرية والاطباء وعن التائهين في غابة الصمت واجمع حطام الاسى .. ثم تجد الكاتب يغني للفجرية تهزه رياحات العشق ثم ينوح يلفه الانين ويرسم للقارئ خارطة الالم عبر معاناة وهموم وبحر متمارج من الاحلام المحطمة وذلك باسلوب تعبيري مميز
ــ أما في مجموعته القصصية الثانية " شيرين " فقد وجدنا " زنا عزام " يتوغل عبر تصويره الدقيق للواقع والبيئة .. تارة تجده بائس تائه مع اطيار النورس .. يغني الحان الرحيل والضياع وتارة ينهل من العشق . والنرجس , والرشفة الاولى والنشوة الازلية .. ويحكي عن ضوء القمر .. وعن الانوثة والجمال .. وعن السكون المعذب في رحم الليل .. وينشد لحن المستحيل .. هكذا زنار عزام الكاتب الحائر في صخب الاحلام وسحابات التوجع والمعاناة... والمرارة .. وعويل عبارات التهكم والابداع .. والموهبة.
ــ أما مجموعته القصصية الثالثة " الغربة والضباب " فهي تضم عشر قصص قصيرة .. تعالج مواضيع انسانية وعلاقات اجتماعية .. البطل لديه مكافح يبحث عن حياة شريفة .. نقية .. خالية من التعقيد ومتاهات العصر وبهرجة الحضارة .. وتأتآت الاثرياء .. والقصور المخملية .. وحانات الليل ومواخير المنكرات مروراً بالواقعية والمعاناة بعيداً عن الخيال عبر أحداث ومفاجآت أثارت الجدل في مصائر اولئك الاشخاص المسحوقين التائهين ... والمجموعة القصصية تضم الانتظار. الغربة والضباب. الحب والدموع. قناديل الفرح. قراءات في دفتر العشق. شراء شريكة العمر. مولاتي حنان. اللقاء الأخير. ضفحات من الماضي. المهاجر.
ويعتمد الكاتب في البوح عن أحاسيس ومشاعر ابطاله.. ربما كانت نقطة تحول في حياة هؤلاء الاشخاص .. يقول في / الأنتظار / عرفت سلوى في خيالي وفي عقلي وكياني كانت كتاباتي وروضة أحلامي , علمتني عبادة الجمال بجمالها .. صارت فكرأ اساسياً وحلماً جميلاً , وعشقاً من السماء واعمق من البحر , وأقول من الحياة. ثم يخاطب سلوى قائلاً : " يا نجمة الصبح .. أيتها السلوى .. المليكة الوفية النبيلة الرائعة الشقية". وسلوى بالنسبة للكاتب هي الحياة والامل .. والمحبة والتسامح.
ـــ أما قصته " الغربة والضباب " و " المهاجر " فنجد الكاتب يغمس ريشته في بحر الحنان الذي لا ينضب والعشق الأزلي , عشق الوطن والانسانية التي أحبها.. حتى درجة العبادة ثم نقلها الكاتب عبر قصته " الحب والدموع " وقراءات سهلة في دفتر العشق واللقاء الأخير من خلال لغة تعبيرية سهلة مشوقة ومع أشخاص يركضون يلهثون .. يمضون يلفهم سراب الوهم والحرمان .. فنجد " هيام " الفتاة الحلوة الذكية الناعمة الجميلة وقد أحبها أكثر من شاب وتقدم اليها أكثر من شاب ليفوزو بها شريكة لحياته أو عشيقة أو معبودة.. لكنها الفتاة النقية الطاهرة ظلت تقاوم حتى أن خالتها زوجة الأب أرغمتها مكرهة في لحظة اهمال قدري وفي سوق العبيد تمت الصفقة وتزوجت كهل في السبعين من عمره لقاء حفنة من المال والذهب. وكانت هيام ضحية الفاقة والجشع وشهيدة ضعف , ليس إلا.
ــ أما القصة " مولاتي حنان " فنجد " حنان " الصبية الثرية الناضجة الجذابة المغرية والتناقضات والعلاقات المبنية على المادة .. والبحار التائه الذي لا يملك غير قلب ينبض بالامل .. حتى سمعنا من خلال سطور الكاتب عن ذلك العاشق المتيم كيف يصرخ عبر زنزانة الصمت والرعب .. وشهقة الفجر ومواويل السهر ثم ينطق السلطان بأن ثمن الحب ستون جلدة .. للبحار والعاشق .. لقد أحب المسكين الصبية الثرية واحبته... وجاء العقاب يغتال النوايا , ويحكي ويروي ماذا جنيت.. ثم يمضي في صحارى اليأس وغابات المستحيل وهو ينشد ويتمتم " الحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وخالداً " ثم نقف مع الكاتب القاص لحظات تأمل .. نبكي ونتألم حينما نجد الجحود والضياع في قصته " صفحات من الماضي " وقفة تأمل واستغراب .. ودهشة مع ذلك المثقف الذي تزوج انسانة ثرية وغنية تتربع فوق بحر من ذهب .. ومثله في ذلك مثل " الفأر الذي تزوج ناقة " واصرت هذه الزوجة الثرية ورفضت مشاركة أم الزوج المنكود أن تعيش معهما او تأكل معهما منعتها حتى من الوضوء والاستحمام بحجة انها امرأة متخلفة ومن الطراز القديم والثوب الذي ترتديه.. شعبي لا يليق بالمقام والوسط الذي تعيشه ويحرجها امام ضيوفها وضيوف ابنها من الاثرياء .. ونسي " سعيد " وهذه اسمه الام وعذابات السنين وطول السهر وهي تبكي وتعمل ومن اجور الخياطة والخدمة خلقت من طفلها شاباً مثقفاً ومحامياً ناجحاً ليس إلا .. وتناسى مكرمة الله تعالى بقوله عن الأم " وبالوالدين احسانا ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما "
ـــ أجل لقد نقلنا الكاتب زنار عزام عبر السطرو القليلة إلى عالم دينه النفاق والمصالح الذاتية واليأس والغش والحب والكراهية والمال والذهب والمنكرات. حيث نجد الكاتب يكرر كلماته المشهورة. انتحر الوفاء ومات الحق وتمزق الكبرياء ودفنت الاخلاق وتحطم جدار الصدق وسحقت تعاليم المحبة وجرفتها عواصف الرياء والغش والضياع وتموت الأم المسكينة وعيناها ترنو إلى سعيد من خلال صورته الصغيرة المعلقة على الجدار المخملي.. وهو لا يزال طفلاً صغيراً .. قبل ان تجرده الايام من الاخلاق والقيم وقبل ان يتحول إلى شاب وفأر يتزوج من ناقة كما يقال... أجل هكذا الحياة ورحلة المعاناة والمرارة... ويبقى الحب والعشق عند الكاتب سامياً .. اعمق من البحر والنشوة الأزلية والتسامح والكبرياء
نأمل للكاتب زنار عزام نجاحات اخرى وكتابات اخرى عبر رحلات الفرح والسعادة والأمل . ونحن الان بانتظار مجموعته القصصية الجديدة يقوم باعدادها حالياً وهي بعنوان " البركان "
اعداد خالد الحسن
11.03.1998