قراءة نقدية لمجموعة رحلة الأحزان القصصية للكاتب زنار عزم
ـــ رحلة الأحزان احدى عشر قصة قصيرة شكلت توأم المجموعة القصصية الأولى للكاتب القاص / زنار عزام / وهي تمثل رحلة الحياة بكل معانيها .. ومآسيها وتنهل من محيط التجربة دون عناء وتعلن الأشياء عن نفسها بواقعية وموهبة متميزة
ظهر زنار بعد ان كان يزهد في الظهور ويتحاشاه حتى بدا كاولئك المتصوفة الذين يجدون الحيرة بالتخلي عن انفسهم ليحصلو على استقلال اعمق , وبالتالي على النشوة التي ينشدونها , وحسبه انه إذ يبلو نفسه فيما انتهجه في حياته ونتاجه... انما يوفي لها الحرية ويتيح لها الاستقلال وهما اقصى ما ينشده الاديب أو الفنان المدرك سمو رسالته والمؤمن بموهبته .. ومن هنا استطاع اخضاع الظاهرة النفسية لموهبته وعاطفته وارادته واحاسيسه وفشله ومرارة الايام والمعاناة والضياع وبيادر الخيمة والقنوط .. مستعيناً على التعبير عنها باسلوب مشوق وموهبة فائقة
ـــ ثلاثون عاماً هي الفترة التي افرد الكاتب زنار شراع مركبه , ومضى في رحلته التي اسماها / رحلة الأحزان / واحد عشرة مرفأ وقف في كل واحدة منها يسرد ويسرد , ثم يرحل من جديد تاركاً الجميع داعي الاعين ومنكسري القلوب .. فهو يصرخ من رحم الحاجة ويتمرد من دياجر الفاقة , يلهث في بيادر البؤس ينشد الامل عبر ثنايا الافق الحزين , وجدران المستحيل يتطلع نحو شعاع الفضيلة يلف جسده النحيل بوشاح الكبرياء , ويكتب تاريخاً وحباً وعشقاَ لا يتطفئ ويمضي الكاتب عبر احلام البؤساء , يقتات من آهاتهم الخبز الاصفر , يحمل أشلاء كتاباته وابجدياته بصمت وصبر وطموح , يرفرف باجنحة الحب الضائع وسراب الامل المنشود
ـــ لقد لمسنا العامل المشترك في قصصه الموت واحياناً يتدخل القدر في قصصه واليأس ليحي محل الموت في النهاية والسرعة ايضاً تدخل في احداث القصص فتبدو كان شبحاً ما يطارد مؤلفها أو كاد القلم يتحول إلى أفعى في يده فيرميه بعيداً بعد أن ينهي كل شيء راكضاً يلهث خلف السراب , يبحث عن المستحيل والامل الضائع واحلامه المحطمة نستطيع أن نستثني قصتين من هذا الحكم وهما " قصة المولود الخامس وقصة الثوب الأزرق ". ففي القصة الاولى ينتظر زنار في عيادة الطبيب يعصر افكاره المتضاربة يحاول ان يسخر من الواقع : " تأملت ذاتي اما حشد كبير .. ناولني السمان عفواً الصيدلي كيساً مملوء من الاشكال الصيدلانية ثم صفعني بصوت نشاذ / 890 ل.س / وكاد الدواء يتناثر في ارض الغرفة حينما انتزعها من يدي ذاك الممرض الذي صفق الباب في وجهي برعونة وغير مبالاة ... وفي هذه القصة يبكي الكاتب ولاول مرة فرحاً , لكنه مع ذلك يفكر بعبء جديد إضافة المولود الخامس ". أما في قصة الثوب الازرق : فيبتعد زنار عن تشائمه الذي يلازم كل قصصه وكتاباته , وسخرية مقالاته وحزنه وبكائه ويأسه , فيحكي قصة حب بسيطة جداً , حيث يصور حبيبته بجمل شعرية " يموج شعرها الكستنائي بسحر الاقحوان , وفي دمها يفور الشباب " ويصور حالته النفسية : " شربت ثملا من مبسمها نخب التحية .. مساء النور , كان صوتها حلو كالعسل .. شهياً كالحب .. عذباً كأنعام الشعر ... ونطق قلبي مردداً مساء النور
ـــ بحق ان رحلة الاحزان وزنار عزام وعامل الفاقة والحرمان والمعاناة والاحلام المحطمةهما جزء من حياة المؤلف ... ليس إلا. نأمل ان نقرأ للأديب الكاتب زنار عن رحلات الفرح وعطاءات ادبية وثقافية واجتماعية
واخيراً نتمنى ان تبدأ رحلة افراح هذه الكاتب لننتهي من رحلة احزانه
خالد الحسن 25.12.1996